فصل: تفسير الآيات (6- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (6- 7):

{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)}

.شرح الكلمات:

{من وجدكم}: أي من وسعكم بحيث يسكن الرجل مطلقته في بعض سكنه.
{ولا تضاروهن}: أي لا تطلبوا ضررهن بأي حال من الأحوال سواء في السكن أو النفقة.
{لتضيقوا عليهن}: أي لأجل أن تضيقوا عليهن السكن فيتركنه لكم ويخرجن منه.
{وإن كنّ أولات حمل}: أي حوامل يحملن الأجنة في بطونهن.
{فان ارضعن لكم}: أية أولادكم.
{فآتوهن أجورهن}: فاعطوهن أجورهن على الإرضاع هذا في المطلقات.
{وأتمروا بينكم بمعروف}: أي وتشاورا أو ليأمر كل منكم صاحبه بأمر ينتهى باتفاق على أجرة معقولة لا إفراط فيها ولا تفريط.
{وان تعاسرتم}: فإن امتنعت الأم من الإرضاع أو امتنع الأب من الأجرة.
{لينفق ذو سعة}: أي لينفق على المطلقات المرضعات ذو الغنى من غناه.
{ومن قدر عليه رزقه}: ومن ضيق عليه عيشه فلينفق بحسب حاله.

.معنى الآيتين:

بعد بيان الطلاق بقسميه الرجعى والبائن وبيان العدد على اختلافها بين تعالى في هاتين الآيتين أحكام النفقات والأرضاع فقال تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} أي من وسعكم ولا تضاروهن بأي مضارة لا في السكن ولا في الإنفاق في غيره من أجل أن تضيقوا عليهن فيتركن لكم السكن ويخرجن. وهؤلاء المطلقات طلاقاً رجعياً وهن حوامل أو غير حوامل. وقوله تعالى: {وان كان أولات حمل فانفقوا حتى يضعن حملهن} أي وان كانت المطلقة طلاق البتة أي طلقها ثلاث مرات فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن أي أسكنوهن وأنفقوا عليهن وان شاء هو أرضع ولده مرضعاً غير أمه وهو معنى قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف} وذلك يتم بتبادل الرأي إلى الاتفاق على أجرة معينة، وان تعاسرا بأن طلب كل واحد عسر الثاني أي تشاحا في الأجرة فلم يتفقا فلترضع له أي للزوج امرأة أخرى من نساء القرية.
وقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} أمر تعالى المؤمن إذا طلق أن ينفق على مطلقته التي ترضع له ولده أو التي في عدتها في بيته بحسب يساره وإعساره أو غناه وافتقاره، إذ لا يكلف الله نفساً إلا ما أعطاها من قدرة أو غنى وطول والقاضى هو الذي يقدر النفقة عند المشاحة وتكون بحسب دخل الرجل وما يملك من مال.
وقوله تعالى: {سيجعل الله بعد عسر يسراً} هذا وعد صدق أتمه لأصحاب رسوله حيث كانوا في عسر ففتح عليهم ملك كسرى والروم فأبدل عسرهم يسراً. وأما غيرهم فمشروط بالتقوى كما تقدم ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً.

.من هداية الآيات:

1- وجوب السكن والنفقة للمطلقة طلاقاً رجعياً.
2- وجوب السكنى والنفقة للمطلقة الحامل حتى تضع حملها.
3- وجوب السكنى والنفقة للمتوفى عنها زوجها وهى حامل.
4- المطلقة البائن والمبتوتة لم يقض لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سكنى لحديث فاطمة بنت قيس أخت الضحاك، ومن الفضل الذي ينبغي أن لا ينسى ان كانت محتاجة إلى سكن أو نفقة ان يسكنها مطلقها وينفق عليها مدة عدتها. وأجره عظيم لأنه أحسن والله يحب المحسنين.
5- النفقة الواجبة تكون بحسب حال المطلق غنًى وفقراً والقاضى يقدرها ان تشاحا.
6- المطلقة طلاقاً بائناً أن أرضعت ولدها لها أجرة إرضاعها حسب إتفاق الطرفين الأم والأب.
7- بيان القاعدة العامة وهى أن لا تكلف نفس إلا وسعها.

.تفسير الآيات (8- 12):

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}

.شرح الكلمات:

{وكأين من قرية}: أي وكثير من قرية أي مدينة.
{عنت عن أمر ربها}: أي عصت يعنى أهلها عصوا ربهم ورسله.
{عذاباً نكراً}: أي فظيعاً.
{ذكراً رسولاً}: أي القرآن وأرسل إليكم رسولاً هو محمد صلى الله عليه وسلم.
{من الظلمات إلى النور}: أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد.
{قد أحسن الله له رزقاً}: أي رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها ابداً.
{ومن الأرض مثلهن}: أي سبع أرضين فوق أرضاً كالسموات سماء فوق سماء.
{يتنزل الأمر بينهن}: أي الوحي بين السموات والأرض.
{لتعلموا أن الله على كل شيء قدير}: أي أعلمكم بذلك الخلق العظيم والتنزيل العجيب لتعلموا..

.معنى الآيات:

لما قرر تعالى أحكام الطلاق والرجعة والعدة والنفاقات وقال ذلك أمر الله أنزله إليكم، وأوجب العمل به حذر في هذه الآية من إهمال تلك الأحكام وتجاهلها وعدم القيام بها فقال: {وكأين من قرية} أي كثير من المدن عتا أهلها أي ترفعوا متكبرين عن أوامر الله ورسله فلم يمتثلوها وعن الحقوق فلم يؤدوها حاسبها الله تعالى في الدنيا حساباً شديداً وعذبها عذاباً نكراً أي فظيعاً.
فذاقت بذلك وبال أمرها أي عقوبته وكان عاقبة أمرها خسراً أي خساراً وهلاكاً وأعد الله لهم عذاباً شديداً هو عذاب يوم القيامة وفي تكرار الوعيد تحذير من الوقوع فيه بالشرك والظلم.
وقوله تعالى: {فاتقوا الله} أي خافوا عقابه فلا تهملوا أحكامه ولا تعطلوها فيحل بكم ما حل بغيركم ممن عتوا عن أمر ربهم ورسله يا أولى الألباب أي العقول الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكراً هو القرآن {رسولاً} هو محمد صلى الله عليه وسلم {يتلو عليكم آيات الله مبينات} واضحات في نفسها الا خفاء فيها ولا غموض، ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات أي ظلمات الكفر والشرك إلى النور نور الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.
وقوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً ندخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً} هذا وعد كريم من رب رحيم يعد كل من آمن به وعمل صالحاً أن يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن له فيها رزقاً وهو نعيم الجنة الذي لا ينفد ولا ينقطع ابداً.
وقوله: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} أي سبع أرضين واحدة فوق الأخرى كالسموات سماء فوق سماء هذا هو الله المعبود بحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه.
وقوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد احاط بكل شيء علما} أي أعلمكم بخلقه العظيم من السموات والأرضين وبتنزل الأمر بينهن في كل وقت وحين لتعلموا أنه تعالى على كل شيء قدير لترغبوا فيما عنده وأنه أحاط بكل علما لترهبوه وتراقبوه، وبذلك تتهيؤن لإنعامه ورضاه.

.من هداية الآيات:

1- التحذير من ترك الأحكام الشرعية وإهمالها والعبث بها.
2- بيان منة الله على هذه الأمة بإنزال القرآن عليها وإرسال الرسول إليها.
3- بيان أن الكفر ظلمة وان الإيمان نور.
4- بيان عظمة الله تعالى وسعة علمه.

.سورة التحريم:

.تفسير الآيات (1- 5):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)}

.شرح الكلمات:

{لم تحرم ما أحل الله لك}: أي لم تحرم جاريتك مارية التي أحلها الله لك.
{تبتغي مرضات أزواجك}: أي بتحريمها.
{قد فرض لكم تحلة أيمانكم}: أي شرع لكم تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة المائدة.
{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه}: هي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
{حديثا}: هو تحريم مارية وقوله لها لا تفشيه.
{فلما نبأت به}: أي نبأت حفصة عائشة أي أختبرها به ظناً منها أنه لا حرج في ذلك باجتهادٍ.
{وأظهره الله عليه}: أي اطلعه عليه على المنبأ به.
{عرف بعضه}: أي لحفصة.
{وأعرض عن بعض}: أي تكرما منه صلى الله عليه وسلم.
{إن تتوبا إلى الله}: أي حفصة وعائشة رضي الله عنهما تقبل توبتكما.
{فقد صغت قلوبكما}: أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك.
{وإن تظاهرا عليه}: أي تتعاونا أي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه.
{فإن الله هو ملاه}: أي ناصره.
{وصالح المؤمنين}: أي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
{والملائكة بعد ذلك ظهير}: أي ظهراء وأعوان له.
{قانتات}: أي عابدات.
{سائحات}: أي صائمات أو مهاجرات.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم} في هذا عتاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إذ حرم جاريته مارية ترضية وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خلا بها في بيت إحدى نسائه فاطلعت عليه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها أي مارية عليه حراماً ترضية لصاحبة الحجرة والفراش. فأنزل الله تعالى هذه الآيات مشتملة على هذه القصة فقال تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} يعني جاريته مارية القبطية أم إبراهيم. {تبتغي مرضات ازواجك} أي تطلب رضاهن {والله غفور رحيم} بك فلا لوم عليك بعد هذا ولا عتاب فجاريتك لا تحرم عليك وكفر عن يمينك. إذ قال لها هي على حرام ووالله لا أطؤها.
وقوله تعالى: {قد فرض لكم تحلة أيمانكم} أي ما تتحللون به من أيمانكم إذا حلفتم وهي ما جاء في سورة المائدة من قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وقوله تعالى: {والله مولاكم} أي متولى وناصركم. {وهو العليم} بأحوال عباده {الحكيم} في قضائه وتدبيره لخلقه.
وقوله تعالى: {وإذا أسر النبي} أي أذكر إذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثاً وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما إذ قال لها لقد حرمت فلانة ووالله لا أطاها وطلب منها أن لا تفشى هذا السر. فحدثت به عائشة وكانت متصافية معها توادها.
فأطلع الله تعالى رسوله على ذلك.
فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه لحفصة وأعرض عن بعض تكرماً منه صلى الله عليه وسلم. قالت أي حفصة من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير. وقوله: {إن تتوبا إلى الله} أي حفصة وعائشة {فقد صغت قلوبكما} أي مالت إلى التحريم مارية أي سركما ذلك.
وجواب الشرط تقديره تقبل توبتكما. وقوله تعالى: {وان تظاهرا عليه} أي تتعاونا عليه صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه، فإن تعاونكما يا حفصة وعائشة رضي الله عنكما لن يضره شيئاً فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين أبوبكر وعمر، والملائكة بعد ذلك ظهير له أي ظهراء وأعوان له عن كل يؤذيه أو يريده بسوء.
وقوله تعالى: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن}، وفي هذا تخويف شديد لأمهات المؤمنين وتأديب رباني كبير لهن إذ وعد رسوله أنه لو طلقهن لأبدله خيراً منهن {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات} أي صائمات أو مهاجرات، {ثيبات وأبكاراً} أي بعضهن ثيبات وبعضهن أبكاراً إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلقهن والله تعالى لم يبدله فهن زوجاته في الدنيا زوجاته في الآخرة هذا وأنبه إلى أن خلافاً كبيراً بين أهل التفسير في الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه وعاتبه ربه عليه. وأحله الله هل هو شراب كان يحبه، أو هو جاريته مارية ومن الجائز أن يكون غير ما ذكر؛ لأن الله تعالى لم يذكر نوع ما حرم رسوله على نفسه، وإنما قال لم تحرم ما أحل الله لك. والجمهور على أن المحرم مارية، وفي البخاري أنه العسل والله أعلم فلذا أستغفر الله تعالى أن أكون قد قلت عليه أو على رسوله مالا يرضيهما أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله إن ربي غفور رحيم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوته صلى الله عليه وسلم وبشريته الكاملة.
2- أخذ الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى من هذه الآية أن من قال لزوجته أنت حرام أو حرمتك وهو لم ينو طلاقها أن عليه كفارة يمين لا غير، وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولاً للفقهاء أشدها البتة وأرفقها أن فيها كفارة يمين كما هو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى.
3- كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه.
4- فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

.تفسير الآيات (6- 8):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}

.شرح الكلمات:

{قوا أنفسكم وأهليكم}: أي اجعلوا لها وقاية بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
{ناراً وقودها الناس والحجارة}: أي توقد بالكفار والأصنام التي تعبد من دون الله، لا بالحطب ونحوه.
{لا تعتذروا اليوم}: أي لأنه لا ينفعكم اعتذار، يقال لهم هذا عند دخولهم النار.
{توبة نصوحا}: أي توبة صادقة بأن لا يعاد إلى الذنب ولا يراد العود إليه.
{يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا}: أي بإدخالهم النار.
{يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}: أي أمامهم ومن كل جهاتهم على قدر أعمالهم.
{ربنا أتمم لنا نورنا}: أي إلى الجنة، لأن المنافقين ينطفيء نورهم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} هذا نداء الله إلى عباده المؤمنين يعظهم وينصح لهم فيه أن يقوا أنفسهم وأهليهم من زوجة وولد، ناراً عظيمة، وقودها أي ما توقد به الناس من المشركين والحجارة التي هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها يقون أنفسهم بطاعة الله ورسوله تلك الطاعة التي تزكي أنفسهم وتؤهلهم لدخول الجنة بعد النجاة من النار.
وقوله تعالى: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} أي على النار قائمون عليها وهم الخزنة التسعة عشرة غلاظ القلوب والطباع شداد البطش إذا بطشوا ولا يعصون الله لا يخالفون أمره، وينتهون إلى ما يأمرهم به وهو معنى ويفعلون ما يؤمرون.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم} هذا يقال لأهل النار ينادون ليقال لهم: لا تعتذروا اليوم حيث لا ينفع الإعتذار. وإنما تجزون ما كنتم تعملون الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} هذا هو النداء الثاني الذي ينادي فيه الله تعالى عباده المؤمنين يأمرهم فيه بالتوبة العاجلة النصوح التي لا يعود صاحبها إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع، ويعدهم ويبشرهم يعدهم بتكفير سيئاتهم، يبشرهم بالجنة دار النعيم المقيم فيقول {عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم} أي بعد ذلك {جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه} أي بإدخالهم الجنة. وقوله تعالى: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} أي وهم مجتازون الصراط يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم لا يقطعه عنهم حتى يجتازوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنم كما يسألونه أن يغفر لهم ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط.
وقولهم: إنك على كل شيء قدير هذا توسل منهم لقبول دعائهم حيث توسلوا بصفة القوة والقدرة لله تعالى فقالوا إنك على كل شيء قدير فأتمم لنا نورنا واغفر لنا.

.من هداية الآيات:

1- وجوب العناية بالزوجة والأولاد وتربيتهم وأمرهم بطتعة الله ورسوله ونهيهم عن ترك ذلك.
2- وجوب التوبة الفورية على كل من أذنب من المؤمنين والمؤمنات وهى الإقلاع من الذنب فوراً أي تركه والتخلى عنه، ثم العزم على أن لا يعود إليه في صدق، ثم ملازمة الندم والاستغفار كلما ذكر ذنبه استغفر ربه وندم على فعله وان كان الذنب متعلقاً بحق آدمي كأخذ ماله أو ضرب جسمه أو انتهاك عرضه وجب التحلل منه حتى يعفو ويسامح.

.تفسير الآيات (9- 12):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}

.شرح الكلمات:

{جاهد الكفار}: أي بالسيف.
{والمنافقين}: أي باللسان.
{واغلظ عليهم}: أي أشدد عليهم في الخطاب ولا تعاملهم باللين.
{فخانتاهما}: أي في الدين إذ كانتا كافرتين.
{فلم يغنيا عنهما}: أي نوح ولوط عن امرأتيهما.
{من الله شيئاً}: أي من عذاب الله شيئاً وإن قل.
{امرأة فرعون}: أي آسيا بنت مزاحم آمنت بموسى.
{أحصنت فرجها}: أي حفظته فلم يصل اليه الرجال لا بنكاح ولا بزنا.
{فنفخنا فيه من روحنا}: أي نفخنا في كم درعها بواسطة جبريل الملقب بروح القدس.
{وصدقت بكلمات ربها}: أي بولدها عيسى أنه كلمة الله وعبده ورسوله.

.معنى الآيات:

في الآية الأولى (9) يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بعدما ناداه النبوة تشريفاً وتكريماً يأمره بجهاد الكفار والمنافقين فالكفار بالسيف، وشن الغارات عليهم حتى يسلموا، والمنافقين بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد. وقوله تعالى: {واغلظ عليهم} أي أشدد وطأتك على الفريقين باللسان، وعلى الكافرين بالسنان. ومأواهم جهنم وبئس المصير إذا ماتوا على نفاقهم وكفرهم، أو من علم الله موتهم على ذلك. وقوله تعالى في الآية الثانية (10) ضرب الله مثلاً في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت درجة القرابة عنده. وهو امرأة لوط إذ كانت كل واحدة منها تحت نبي رسول فخانتاهما في دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشى سر من يؤمن بزوجها وتُخبر به الجبابرة من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون، وامرأة لوط كانت كافرة وتدل المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار، وفي النهار بواسطة الدخان. فلما كانتا كافرتين لم تُغن عنهما قرابتهما بالزوجة شيئاً. ويوم القيامة يقال لهما: ادخلا النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط. هذا مثل وآخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة الكافر ولو كانت القرابة الزوجية وما أقواها، وهو- المثل- إمرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها: رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى لا أكون كافرة بك ولا ظالمة لأحد من خلقك، ونجني من القوم الظالمين أي من عذابهم فُشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على الإيمان فرفعت بصرها إلى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقاً إلى الله والى بيتها في الجنة وقد رأته فوصلت الصخرة اليها بعد ان فاضت روحها فنجاها الله من عذاب القتل الذي أراده لها فرعون وعصابته الظلمة الكافرون.
وقوله تعالى: {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها} عطف تعالى مريم على آسيا ليكون المثل مكوناً من امرأتين مؤمنتين، كالمثل الأول كان مكوناً من امرأتين كافرتين فقال عز وجل ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها عن الرجال في الوقت الذي عم البغاء والزنا ديار بني إسرائيل كما هي الحال اليوم في ديار اليهود وأمثالهم قد لا تسلم امرأة من الزنا بها فلم يضر ذلك مريم لما كانت عفيفة طاهرة بل أكرمها الله لما أحصنت فرجها بأن أرسل إليها روحه جبريل عليه السلام وأمره أن ينفخ في كم درعها فسرت النفخة بقدرة الله تعالى في جسمها فحملت بعيسى الذي كان بكلمة الله كن فيكون في ساعة وصول أهواء النفخة وولدته للفور كرامة الله للتى أحصنت فرجها خوفاً من الله وتقربا إليه، وما ضرها أن العهر والزنا قد انتشر حولها ما دامت هي طاهرة كما لم يضر كفر فرعون آسيا الطاهرة. وكما لم ينفع إيمان وصلاح نوح ولوط امرأتيهما الكافرتين الخائنتين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بغت امرأة نبي قط، وهو كما قال فوالله ما زنت امرأة نبي قط لولاية الله تعالى لأنبيائه فكيف يخزيهم ويذلهم حاشاه تعالى أن يخزي أولياء أو يذلهم فالمراد من الخيانة المذكورة في قوله تعالى: {فخانتاهما} الخيانة في الدين وإفشاء الأسرار.
وقوله تعالى: {وصدقت بكلمات ربها} أي بشرائعه وبكتبه التي أنزلها على رسله، {وكانت من القانتين} أي المطعين لله تعالى الضارعين له المخبتين.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الجهاد في الكفار بالسيف وفي المنافقين باللسان، وعلى حكام المسلمين القيام بذلك لأنهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته.
2- تقرير مبدأ: لا تزر وازرة وزر أخرى. فالكافر لا ينتفع بالمؤمن يوم القيامة.
3- والمؤمن لا يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو انسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم لم يضره كفر آزر، ونوح لم يضره كفر كنعان ابنه، كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان وصلاح الأب والابن.
هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم}.